يسرى محمد
عدد المساهمات : 22 رتب : 58 الرتبة : 0 تاريخ التسجيل : 12/05/2009
| موضوع: رجل عرف الله (جزأ أول ) الخميس مايو 21, 2009 7:38 am | |
| قصة واقعية وقعت أحداثها فى قرية صغيرة من قرى محافظة الفيوم
مع تغيير الأسماء ومناطق العمل حرصا على مشاعر أبطالها
إحترامى لكم ولأبطال القصة
الحاج عبد الغفار
من قرية صغيرة هادئة تبعد عند المدينة حوالى عشرة كيلو مترات وتشتهر قريته
بتمسكها بالعادات والتقاليد الريفية العريقة
ولكن هذا الرجل تميز عن باقى الرجال أمثاله بطيبة قلبه وحبه للخير وإنفاقة
المتواصل على الفقراء لوجه الله
تعالى كما أنه يصلى بالناس ويخطب الجمعة وهو جميل الصوت ويتمتع فى
ذات الوقت بشخصية قوية
مقنع وجاد ومؤثر وقوى الشكيمة لا يخشى فى الله لومة لائم
الحاج عبد الغفار يمتلك أفدنة زراعية كثيرة كما يمتلك بستانا كبيرا للفاكهة هذا
بالإضافة لعدد لا بأس به من
العمارات بالمدينة ومصنعا صغيرا بالقرية لصناعة ( العجوى من البلح )
يتمتع بحب الناس له وخاصة رجاله العاملين معه كما يحبه جميع أطفال القرية
حيث يقفون له فى الطريق
منتظرين إياه أثناء توجهه للمسجد أو للحقل فهو لا يتحرك من منزله إلا بعد أن
يملأ جيوبه بالحلوى
ويسأل زوحته الحاجه عن ( الفكة ) ليضعها فى جيبه الكبير ليوزع كل ذلك على
الأطفال كبيرا وصغيرا
هذا الرجل الطيب
له من الأولاد ثلاثة شباب يتمتعون جميعا بحسن الخلق والقوة والجمال
الأول الدكتور / حسين نجح فى كلية الطب وتم تعيينه طبيبا منذ عام فى مستشفى
المدينة وكان الدكتور حسين يستعد
لتحقيق حلمه بفتح عيادة خاصة فى قريته ليعالج المرضى أبناء قريته بالمجان
الثانى / محمد عبد الغفار طالب بكية الطب بالسنة الأخيرة وهو مجتهد وعنده الكثير
من الآمال والطموحات
فهو يتمنى السفر للخارج للحصول على الدكتوراه بعد حصوله على شهادته مصر
ويتمنى أن يصبح أستاذا دكتورا متخصصا فى جراحة القلب لحبه هذا التخصص الهام
الثالث / نور الدين عبد الغفارطالب بالصف الثانى بنفس الكلية وزميل لشقيقه ويقيمان
بشقة بشارع القصر العينى بالقاهرة ملكا لوالدهما
تسير الحياة بشكل طبيعى والحاج عبد الغفار لا يدخر جهدا فى الإنفاق على أولاده
ومراقبتهم فلا يكاد يمر أسبوع
إلا وطلب من سائقة تجهيز السيارة للذهاب للقاهرة عند الولدين للإطمئنان عليهما
ولزيارة أولياء الله وكان يحمل لهما كل ما لذ وطاب مما جهزته الحاجة والدتهما
وكانت الحاجة تجهز أسبوعيا الكثير من اللحوم والطيور والأنواع المختلفة من
الطعام والحلوى والفاكهة وذلك ليستطيع ولديها إشراك الزملاء فى هذه الوجبات الجيدة الطازجة الآتية من الريف
وكانت لا تنسى إرسال الملابس الجديدة والنظيفة وما يطلبه ولديها قرة العين
وعندما يتوجه الحاج للقاهرة ويقابل الولدين لا ينسى أبدا التوصية الدائمة بتقوى الله
ولزوم طاعته ودوام
العبادة وأداء الصلاة فى وقتها كما عودهما فيجد كل طاعة وولاء ويعود مسرورا
حامدا الله على نعمته
والحاج عبد الغفار رجل محبوب من أهل القرية لسرعته فى تقديم الخيرات
فهو لا يرفض لأحد طلبا ولا يتأخرعن فك كرب المحتاج ولا يفوته واجب عزاء أو
مناسبة سعيدة كما
أنه المشارك الأول فى تجهيز بنات قريته من اليتيمات للزواج وهو الذى يقوم بنفقات
الأطفال اليتامى ويتحمل نفقات الدراسة والعلاج ولا يدخر جهدا لإسعاد هؤلاء الأطفال
وهو رجل مرهف الحس طيب القلب رحيم حتى بالطيور والحيوانات فكثيرا ما كان
محصول القمح بالحقل بعد حصاده وقبل نقله للمنزل فتأتى العصافير والطيور بالآلاف
فتأكل من سنابله حتى تأتى على كل ما هو ظاهر لها من المحصول فهى لا تجد
مقاومة ولا حراسة أو تهديد مما يفعله الفلاحين لتخويف الطيور وإذا توجه أحد الرجال
من أهل القرية للحاج وأخبره بما يتعرض له محصوله وطلب منه حمايتة من
العصافير والطيور إما بنقله للمنزل أو بحراسته أوتغطيته مثلا فيرد عليه قائلا
أليست الطيوروالحيوانات لها رزق مكتوب فإذا لم تأكل من عندى ومن عند غيرى
فمن أين تأكل
ثم يتوجه للحقل ويقوم بتقليب القمح ليظهر السنابل الممتلئة بالحب ليطعم العصافير
والطيور الأخرى ولا ينقل محصوله للمنزل إلا بعد قيام الفلاحين بنقل محاصيلهم إلى
ديارهم والغريب أنه فى نهاية الموسم وعند ضم المحصول كان الناس يجدون أن
محصول الحاج عبد الغفار هو أكبر محصول على مستوى القرية كلها
حيث كان يعطى الفدان من الإنتاج أكثر بكثير مما يعطيه الفدان عند
غيره فكان يقول ( هذه بركة من الله )
تمر الأيام والشهور وكل منهمك فى عمله وفى الإجتهاد لتحقيق آماله
وفى أمسية من أمسيات الصيف كان الحاج عبد الغفار جالسا فى حديقة منزله العامر
يتسامر مع الرجال الكبار من أهل قريته فى شئون القرية والناس وإذا بعامله ينادى عليه
تليفون ياحاج
يستأذن الحاج من الضيوف ليرد على التليفون
السلام عليكم أنا الحاج عبد الغفار مين معايا ؟
الطرف الآخر : معاك مستشفى المدينة ياحاج
أهلا يا إبنى إنتو عاوزين إبنى الدكتور حسين هو عندكم بالمستشفى عنده ورديه
الطرف الآخر : لأ يا عم الحاج كنا عاوزين سيادتك تشرفنا حالا لأمر هام
الحاج : خير يا إبنى طمنى فيه حد من القرية تعبان وعاوزين مصاريف
الطرف الآخر : لأ يا حاج ولو سمحت تعالى بسرعة
ثم يغلق التليفون
الحاج يقول : خير اللهم إجعله خير
يطلب من العامل الذهاب للسائق وتجهيز السيارة فورا ويستأذن من الضيوف ويخبرهم
بما حدث الجميع يندهش ويسأل خير فيه إيه ؟
ثم يطلب أغلب الحاضرين من الحاج التريث قليلا لإحضار سيارات ليتوجهوا معه
للمستشفى يقول لهم لا داعى فالموضوع خير إن شاء الله وتأتيه السيارة
فيستقلها ويتجه للمدينة بسرعه
يتوجه للمستشفى وعند قسم الإستقبال يجد حركة غير عاديه ويجد الكثير من الأطباء
زملاء إبنه الدكتور فى انتظاره يستقبلونه والدموع فى عيونهم تنبئ بخطر
الحاج : فيه إيه يا دكاتره
يصمت الجميع ويعلو صوت أحدهم بالبكاء ثم ينفجر قائلا البقاء لله فى إبنك الكتور
حسين البقاء لله
ينظر الحاج يمينا ويسارا فيرى الجميع واقفون فى حالة من الذهول ويرى الدنيا غير الدنيا
يحتضنه أحدهم ويبكى بشدة قائلا له : البقاء لله إبنك الدكتور أصيب بسكتة قلبية وتوفى سريعا الله يرحمه
الحاج عبد الغفار : إنا لله وإنا إليه راجعون
وينظر تجاه السماء وكأنه غائب عن الوعى أو ذهبت روحه بعيدا عنه ثم ينظر للأرض
ويستغفر الله العلى العظيم ويحمده على كل حال وتنزل دموعه فيمسحها ويتماسك ثم
يلتفت خلفه وينادى على السائق الذى أصيب بالذهول والذى يكاد أن يغمى عليه فيعطيه
بعض التعليمات ويطلب تنفيذها بسرعة يتحول للأطباء والإداريين ويطلب منهم
مساعدته فى سرعة إنهاء الإجراءات ليتسلم جثمان إبنه الفقيد
ثم يتوجه للمدير العام ويطلب منه أن يعطيه الفرصة لرؤية إبنه المتوفى على إنفراد
المدير ينفذ له ما طلب ويذهب به للحجرة التى بها الجثمان ويدخل الحاج ويغلق
الحجرة على الرجل وابنه
يرفع الغطاء من على المتوفى الغالى ويقبله مرات كثيرة وكأنها الأولى فى حياته ثم
يضمه إلى صدره الحنون ويبدأ فى قراءة القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ
تَعْلَمُونَ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ
أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
صدق الله العظيم
سورة البقرة من الآية 151 حتى 157
تنزل دموع الرجل يضم الإبن قرة العين إلى صدره بقوة ثم يضعه براحة وسكينة على
سريره ويقوم بتغطيته ثانيا ويدعو له بالرحمة ويمسح دموعه ويخرج من الحجره
فيجد الجميع أمام الحجرة يشكرهم ويسأل هل قمتم بإنهاء الإجراءات
يردوا نعم يا حاج
يخرج ليقف خارج المستشفى فطبعا سيأتى الرجال من القرية حالا بعد سماع الخبر
وبالفعل تأتى السيارات محملة بالرجال والشباب الصغير حتى الأطفال فقد حضر
الكثير منهم بين مصدق للخبر وغير مصدق يقدمون التعازى والمواساة للحاج والكل
فى ذهول من هول الكارثة فالكل يحب الحاج عبد الغفار ويحب أولاده فهم طيبون
مجاملون مشاركون للناس فى مناسباتهم لا يبخلون ولا يتأخرون عن فعل الخير
تظهر سيارة الإسعاف وتقف أمام الحشد الهائل من أهل القرية حاملة جثمان الدكتور
حسين وتبدأ فى التحرك متجهة إلى القرية
موكب مهيب يسير فى صمت وذهول وحزن ودموع حتى تصل السيارة لمدخل القرية
فتشق طريقها بين الناس المحتشدة عن بكرة أبيها بصعوبة بالغة وتعلو الأصوات بذكر
الله وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
وأمام مسجد القرية الكبير يستوقفها الحاج عبد الغفار ويطلب من الناس حمل النعش
وإدخاله للمسجد ووضعه أمام القبلة إنتظارا لصلاة الفجر ثم صلاة الجنازة
والخروج للدفن طالبا التعجيل بذلك
إلى اللقاء فى الجزء الثانى قريبا بإذن الله
خالص تحياتى
| |
|